27‏/04‏/2011

الإخوان و حزب " الحرية والعدالة "







من المؤكد أن هذا المقال قد جاء متأخرا، فقد حسم الإخوان أمرهم و قرروا دخول معترك السياسة بحزب يتبع الجماعة و أسموه " الحرية و العدالة" و بينما ينعقد مجلس الشورى حتى يقر كل تفاصيل الحزب بعد أن أصبح حقيقة واقعة ، فإنني توكلت على الله و قررت أن أكتب رأيي في هذا الأمر:
أرى أن دخول جماعة الإخوان بنفسها المعترك السياسي عن طريق تكوين حزب "الحرية و العدالة" خطأ استراتيجي فادح و أرى أنه كان من الأصوب و الأفضل ألا تكون الجماعة حزبا يعبر عنها و أن تسمح لأعضائها بتكوين حزب (أو أحزاب) بعيدا عن الجماعة ، و تظل الجماعة تؤدي رسالتها الدعوية و التربوية و الحضارية بعيدا عن الانخراط المباشر في السياسة.. و لي أسبابي:




• الثوابت و المتغيرات: الإخوان هيئة إسلامية جامعة تقوم على تربية الناس و دعوتهم ، و تقوم بمشروع نهضة للأمة و ممانعة للمشروع الصهيوني الأمريكي ، و لا يصح لحزب محسوب على الإخوان أن يتكلم كلاما سياسيا .. أو دبلوماسيا ممكن أن يفهم منه تراجع عن الثوابت .. أو أن يفعل ذلك بالفعل .. و قد يضطر الحزب فعلا لعمل ذلك لو اقترب من السلطة حتى يتفادى دروس الماضي من غزة و السودان و الجزائر ، إن فعل هذا تكون الجماعة أمام الناس و أمام أعضائها قد فرطت أو سكتت عن الثوابت .. و لا ينبغي للجماعة و هي حاملة لواء الإسلام أن تسكت عن الثوابت .. ينبغي أن تذكر الجماعة الأمة كل يوم مثلا أن " فلسطين عربية إسلامية من النهر إلى البحر" فهل يمكن للجماعة أن تفعل ذلك و هي في حكومة ائتلاف عن طريق حزبها ؟
إن الرسالة الكبرى للجماعة يجب أن تقدم على كل الوسائل الوقتية حتى لا تنزلق الجماعة إلى مستنقع السياسة و تسكت عن الكثير من ثوابت الأمة بدعوى مصلحة الوقت .. فلنترك للسياسة رجالها الذين يجيدون فن الممكن، و تركز الجماعة في حماية ثوابت الأمة و تذكيرها بقضاياها الجوهرية ، و الدعوة و التربية و إعداد المجتمع للتحديات القائمة ، و هو أفضل من أي عمل سياسي.




• السماح بالتنوع السياسي داخل الصف: فأعضاء الإخوان ليسوا كلهم متطابقين في الفكر ، هناك العديد من المدارس و التيارات داخل تيار الإخوان العريض ، ووجود حزب واحد سيحرم الوطن أن يظهر هذا التنوع الذي يثري العمل السياسي و يثري الفكرة الإسلامية – و للأسف فإن وجود حزب الإخوان سيقضي على هذا التنوع في الأطروحات السياسية داخل الإخوان و خصوصا بعد كلام الأستاذ المرشد عن أنه " لا يجوز" لأي عضو من الجماعة الانضمام لحزب آخر أو إنشاء حزب آخر غير " الحرية و العدالة".




• انعدام خبرة الاحتكاك السياسي بالآخر لدى كوادر الحزب: ان الحزب سيكون امتدادا للجماعة ، و سيكون غالب أعضاؤه من الجماعة ، و مع منع باقي الأعضاء من الانضمام لأحزاب أخرى سيظل الإخوان يمارسون العمل السياسي في حزب كله من الإخوان و من خلفية ثقافية متقاربة مما يحرم الكوادر الموجودة في الحزب من الاحتكاك مع الأفكار الأخرى (إلا من خلال المنافسه) و يقلل من فرص الانفتاح السياسي لأعضاء الجماعة على الآخر و يؤثر بالتالي في مدى استيعابنا و فهمنا و تفاعلنا مع الآخر و تفاعل الآخر معنا.
لقد كسبت الجماعة الكثير خلال أيام الثورة حين كان شباب الإخوان يحتكون بالناس العاديين و يتحدثون معهم ، و يشاركونهم مشروع واحد .. يأكلون و يشربون و يثورون معهم ، و من المعاشرة تغيرت مفاهيم الكثير من الشباب عن الإخوان لما لمسوه من انفتاح شبابها و تفاعلهم مع المجتمع .. و من رأيي أن السماح للإخوان بالتفاعل مع أحزاب أخرى و الانضمام لها سيكرر هذه التجربة و يثريها، و يعطي بعدا أكبر من أبعاد الخبرة السياسية.




• ثمن العلاقة بين الحزب و الجماعة : إن الحزب – شئنا أم أبينا – سيكون الذراع السياسي للجماعة و لقد سمعت بأذني من م. خيرت الشاطر (نائب المرشد العام) بأن فصل الحزب عن الجماعة هو أمر غير واقعي لأن الجماعة هي التي ستدعم الحزب ماديا و بشريا ، فلا يعقل أن تطلقه بعد ذلك ليبتعد عنها – و هو محق في ذلك الأمر كثيرا ، و بذلك فإن الحزب سيدفع ثمن مواقف الجماعة ، و العكس صحيح ، كمثال: قد يقبل الأقباط علاقة جيدة مع حزب غالبية أعضاؤه من الإخوان المسلمين بخطاب جديد ، و لا يقبلون علاقة جيدة مع حزب الإخوان حتى لو كان نصف أعضاء هيئته العليا من الأقباط! – في الحالة الأول سيقيمون الحزب بناء على خطابه و أفكاره ، أما في الحالة الثانية فسيستدعون التاريخ و المواقف الكثيرة من الإخوان و التي يرونها سلبية ، و سيحدد ذلك شكل العلاقة مهما تغير الخطاب ، و نفس الأمر ينطبق على قوى أخرى.
أما عن دفع الجماعة لثمن العلاقة مع الحزب فأمثلته كثيرة : لو افترضنا أن حزب الإخوان وصل للسلطة في مصر .. فسيضطر للتعامل مع إسرائيل كدولة يعترف بها النظام المصري بناء على اتفاقية كامب ديفيد وبيننا و بينها معاهدة سلام .. و هنا ستبرز المشكلة .. ماذا سيفعل الإخوان في هذا الموقف ؟؟ ان كل الاحتمالات خاسرة ، وذلك لأن الناس ستربط تلقائيا بين الإخوان و الحزب مهما كان الأمر. لو فشل الحزب سيفشل الإخوان .. و لو فشل الإخوان في شيء سينسحب على الحزب و هو أمر في غاية الخطورة لأنه كما قلنا الإخوان هيئة إسلامية جامعة أكبر بكثير من أن تختزل في نجاح أو فشل تجربة سياسية.




• حزب "التنابلة" : و هي الكلمة التي أثارت أزمة حينما وصف بها الدكتور عبد المنعم حزب الإخوان الجديد و عندما تمعنت في الكلمة لم أجد أنه يقصد وصف أفراد الإخوان بالتنبلة لا سمح الله و لكنه يريد أن يقول ان افتتاح مقرات الحزب سيكون سهلا للغاية و بضغطة زر .. الأعضاء موجودون و موزعون على محافظات الجمهورية ، و التمويل موجود ، و القيادات معدة و مختارة ، و كل شيء تمام التمام! و هذا ما قصده الدكتور أبو الفتوح بكلمة حزب التنابلة .. وهو يفقد كوادر الحزب نوع آخر من أنواع الخبرة السياسية و هي خبرة بناء القواعد الحزبية من الصفر و الدعوة لأفكار الحزب و البحث عن التمويل .. إلخ .. حزب يقوم على أكتاف الجماعة حزب قوي بالجماعة ضعيف بغيرها ، و هو في هذه النقطة تحديدا يشبه الحزب الوطني المنحل في اعتماده على النظام و الدولة ( مع فارق التشبيه بالطبع).




لكل هذه الأسباب و أكثر أدعو قيادات الإخوان أن يراجعوا فكرة إنشاء الحزب من الأصل ، و في حالة الإصرار على إنشائه فأدعوهم للسماح لأعضاء الإخوان الراغبين في أن يشقوا طريقهم بنفسهم من خلال تكوين أحزاب أخرى أو الانضمام لأحزاب موجودة .. القوي لا يخاف من حرية أفراده ، بل يطلق لهم العنان ويظل حاضنا ناصحا و داعما لهم. هذه نصيحة من القلب أتمنى أن يتقبلها من يقرؤها على أحسن وجه، و الله الموفق.