21‏/02‏/2009

محاولات مع قلم

الحمد لله على نعمه وكفى والصلاة والسلام على نبيه المصطفى وبعد:


أيام تمر وراء أيام , يجر بعضها البعض , وتمر على نفس المنوال دون أن يستفاد منها بشيء يذكر, تصول في الصالة , وتجول في الطرقة , وتجوس في الحجرات...



قد تسير تركل شيئا ما وجدته أمامك, قد يكون كرةً أو نعلاً أو دمية... لا تفعل ذلك لتستمتع به, ولا تجد فيه سلوى لك...



قد يعترضك أخوك ويركلك ويفر ؛ فترسم بسمة زائفة على وجهك وتعدو خلفه محاولا الخروج من هذا الفراغ القاتل... فلا يستطيع المشاغب الصغير أن يسحبك منه إلى الحياة الطبيعية الحلوة التي يعيشها الناس, ولا يستطيع أن يفعلها غيره ...



قد تقوم بقراءة وحفظ بضعة آيات من القرآن الكريم, فقد تنجح وقد تفشل, وسواء نجحت أم فشلت فإن هذا لا يدوم طويلا مع شارد مثلك, وعد هنيهة ستجد نفسك قد عدت للتحليق خيالك في سماء الأفكار و.. عدت مرة ثانية لركل الدمى



قد تدعو في الصلاوات ربك, وتسأله في الصباح, وتناجيه قبل أن تنام ؛ ليجعل لك تسلية في ما يفعله الناس ويفرحون به لتملأ فراغك ... ولكنك لا تجد أي متعة ولذة فيما يفعله أي فتى في سنك من قرأة روايات وألعاب حاسوب وغيره, قد تشدك قليلا ثم تضجر بها وتتأفف وتعرض عنها...



قد يهديك تفكيرك لقراءة الكتب, إنها فيها متعة وفائدة, وقطع للوقت وانتفاعا به, فتتحمس لهذا وتشعر أنك قد هديت للتفكير الصحيح وتتأبط الكتاب السميك وتترنم بـ أنا من بدل بالكتب الصحابا *** لم أجد لي وافيا إلا الكتابا



وتجلس لتقرأ ما يشاء الله أن تقرأ...

هنا تبدأ تفهم: ما دائك؟وتدرك : ما علتك؟, وتشعر بالطاقات المحبوسة المكفوفة, إنك تريد... تريد... إذا أردت أن تقرأ فلابد أنك تريد..تريد...



إنك تريد أن تكتب

***


أجل هذا هو الرأي السديد, إنك تريد هذا, وتحتاج إليه بشدة, تريد أن تحلق بخيالك كما تحب, ولكن ليس بركل الأحذية, بل بجر الأقلمة...

إنك لست كاتبا محترفا أو أديبا حاذقا, ولكنك تحب هذا الأمر, والمرء لا يولد أديبا, وهؤلاء الأدباء جميعهم قد بدؤوا مثلك.
بلى , هذا هو ما عليك أن تفعله, الآن فلتسحب أحد الدفاتر الشبه فارغة, به عدة صفحات قد كُتب عليها كتاب أبله, بعناوين بلهاء على غرار
(أهمية إشارات المرور),(المقصود بالنظافة),(أثر تناول الشطائر على الفرد والمجتمع),(مكانة الفران في حياتنا)
إن ما تتعلمه في دراستك ليس تعبيراً, حسنا, مزق تلك الصفحات وتناول الدفتر وهلم إلى التعبير الحقيقي...
أين تجلس؟ ليس هناك مانع أن تجلس القرفصاء فوق الوسادة وتجعل الدفتر على فخذيك والقلم بين إصبعيك, لا مانع أبدا من أن تفعل كأي تلميذ مجتهد وتجلس على الأرض وأمامك الكرسي يؤدي دور الطاولة, ولكن هناك مانع كبير من أن تنظف مكتبتك وتضع الدفاتر والكتيبات التي ارتصت فوقه في الأدراج وعلى الرفوف وتجلس كأي إنسان محترم...
تعال هنا, فيما تكتب؟ وعما تكتب؟ لا شك أنك تركت الأفكار البلهاء الخاصة بالعصي والقصص الخيالية التي كنت تعتنقها فيما مضى...
يا ربي؟ يا ربي؟ ماذا أكتب؟ ماذا... ماذا...
هنا تبدأ في التفكير .... فكرة خاطئة, قصة (عامر بن عبد الله التميمي _رضي الله عنه_) ليس لك أن تكتبها, من أراد أن يقرأها سيقرأها في كتب ذات مصادر أدق وأسلوب أرق, ولن يبحث عن ما ذكره (براء باشا أحمد), خسارة.. أكتشفتَ هذا الآن بعد أن قطعت فيها شوطا طويلا؟!!
فكر ..فكر.. تباً لك, هل أنت مصاب بورم في القريحة؟ فكر يا عدو نفسك..فكر..
وجدتها!
ألا تذكر حديثا لرسول الله صلوات الله عليه قرأته دون مرة؟ واعتبرته يوما حين جلست مع رفقة لك في أحد المطاعم أكثر جملة سمعتها وأثرت فيك؟ ألم يقل صلى الله عليه وسلم:
(بدأ الإسلام غريبا وسيظل غريبا فطوبى للغرباء)؟
(طوبى للغرباء أناس صالحون في أناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم)؟
(الغرباء هم من يصلحون ما أفسد الناس من سنتي)؟
حسنا, فليكن ما ستكتبه عن الغرباء...
***
أسابيع عديدة مرت وأنت تصبح على الغرباء وتضحي على الغرباء وتمسي على الغرباء, كل يوم تحاول وتحاول وتعيد الكرة فتعيد المرة...
مرة تكتب عدة صور من صور الغرباء لرجل واحد فتجد أن الأمر زاد عن حدوده وأن المقالة لن تصلح إلا لو كانت عن هذا الرجل بذاته
مرة تكتب مقالة لا بأس بها ولكن تكتشف _للأسف_ أن المقالة كلها مقدمة
مرة تحاول أن تجعل المقالة عبارة عن صورة بلاغية ولكن تكتشف حين تنهيها أنها صارت رحلة برية
وكأن قلمك قد أصابه الفالج...
لا يستجيب لندائك ولا لمحاولتك
تناشده وتناجيه
(أنت قلمي, يجب أن تكون طوع بناني,نفذ أمري)
ولكن هل له أن يستجيب؟
...
يبلغ بك السيل الزبد ويطفح كيلك, فتتأفف وتتذمر وتمزق ما كتبته وتبصق عليه
إن الأمر عسير جد عسير
لقد طال الأمر جدا
***
أخيرا تبدأ في التفكير بواقعية...
إن هذه الفكرة التي اتخذتها لن تستطيع كتابتها, هي ليست عسيرة, وربما كنت تكتبها في ظروف أخرى
ولكن كأنه قد حجز بينك وبينها والله أعلم بما فيه الخير
ربما كان لإنك تحاول أن تفرط في السجع والتشبيهات والمجازات
ولكن لماذا هذا الأمر في تلك المقالة بذاتها؟ لو كان كذلك فكيف تستطيع كتابة غيرها؟
حسناً, ألقي هذه الفكرة خلف ظهرك لحين تحتاجها وابدأ في التفكير من جديد
ما رأيك لو سرقت مقالة من مقالات المنفلوطي وجردتها من أسلوبها البديع وكسيتها أسلوب الرديء ووضعتها لزوار مدونتك؟
لا, هذه فكرة حمقاء ومحرمة, لقد نُهي المسلم عن (التشبع بما لم يعطي), كما أن الأمر سينكشف ولو لم ينكشف فلن تشعر أنت بأنك فعلت شيئا ذا قيمة
ماذا تفعل إذن؟ ماذا تفعل إذن؟
ربما لديك فكرة لا بأس بها, وهي أن تكتب محاولاتك البائسة في مقالة وتنشرها لعل أحد من يقرأها يكون لديه دواء للقريحة فيعطيكه...
أشجع هذه الفكرة, لا تبدو لي سيئة
فليكن عنوان ما ستكتب :
(محاولات مع قلم)
هيا اكتب...
***
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وأتمنى أن تنال المقالة رضاكم
ولا تنسوا دواء القريحة!!

هناك 3 تعليقات:

Ahmed Ossama يقول...

رائعة يا براء ، أحسن مقال كتبته في المدونة ، أما عن دواء القريحة ، فهو صفاء الذهن و راحة البال و التأمل في كل ما حولك.
يعني خليك راااايق
تحياتي
العطواني

البراء أحمد يقول...

شكرا لك جزيلا

وشكرا لـ(ولي الله) صاحب الأجزاخانة اللي تجيب منها الأدوية...


الطرطوشي

محمد عبد الله يقول...

المقالة حلوة

بس المدونة غريبة شوية

هي أصلا أيه المقالات بتحارب بعتضها!!