و بالرغم من إعجابي بهدوء و دبلوماسية الدكتور بديع ، و بأسلوبه السلس النقي البعيد عن الانفعال ، إلا أنني اختلف معه كثيرا و أعتب عليه فيما قاله.. بالرغم من تأكيده على معارضة التوريث قبل هذه الفقرة.
و لي أسبابي التي أحب أن أطرحها علها تكون مفيدة:
أولاً: الهدف من السؤال و الإجابة: الهدف من السؤال المباشر لحسين عبد الغني كان إحراج الدكتور بديع ووضعه في موقف مواجهة مع السلطة أو مواجهة مع المعارضة الداخلية و الخارجية ، و كان من الممكن للمرشد أن يتجاهل السؤال و أن يرفض الإجابة عليه أو أن يحول مسار الإجابة للبحث عن ضمانات العملية الانتخابية و عن ضمان الحرية و لكن المرشد آثر الإجابة المباشرة للسؤال و هنا يطرح السؤال نفسه ما فائدة الإجابة بهذا الأسلوب:
هناك العديد من الاحتمالات:
1. نفي صورة الحرس القديم و مجموعة سيد قطب و إسباغ ستار من الاعتدال على التصريحات ، و تأكيد مبدأ قبول الآخر حتى لو كان جمال مبارك.
2. توصيل رسالة تهدئة إلى الدولة تسهم في رفع التضييق المتواصل على الجماعة.
3. إغراء الدولة بعمل إصلاحات تشريعية حتى تتجنب معارضة الجماعة في حال الانتخابات القادمة.
و أيا كان الاحتمال فهو لا يبرر هذا الكلام ، الصورة ستظل كما هي و لن تشفع أي مستحضرات تجميل في تغيير طريقة نظر النظام إلى الجماعة ، كما أن النظام يضرب الجماعة في التوقيت الذي يختاره و تبعا للتوازنات التي يحددها ، ولنا في التاريخ عبر! أما الإصلاحات فلا تتوقع من هذا النظام أي إصلاح لأنه سينفذ ما يريد من مخططات بغض النظر عن قوى المعارضة غير الجادة و على رأسها الإخوان ، لأنها معارضة غير مؤثرة في مجرى الأحداث ، و إلا كيف نفسر تغيير الدستور بهذا الشكل السيء ، و كل القوانين المسيئة للسمعة و التي تضرب عرض الحائط بكل مطالب المعارضة و التي تم إقرارها في أكثر دورة برلمانية بها معارضة منذ قيام الثورة ، الواقع أن المعارضة تخلق حالة ، و لا تخلق فعلا ، المعارضة تملأ الدنيا ضجيجا و لا تحوله لإرادة شعبية حقيقية تضغط على النظام ضغطا يؤدي للتغيير. فتجميل الكلام هذا لا محل له من الإعراب في وجهة نظري.
ثانيا: الكلام كلام غير منطقي و غير واقعي و لا يتفق مع معطيات الواقع ، بل إنني أقول إنه ليس من الحنكة السياسية أن يتم التلفظ بهذا الكلام ، لأن جمال مبارك لو ترشح لن يترشح كأي فرد مهما ان قيل ، حتى لو كانت الانتخابات نزيهة فسينجح ! يكفي أصوات موظفي المصالح الحكومية و الشركات المنتفعة و الهيئات بمختلف أنواعها ، و لنا في انتخابات نقابة الصحفيين عبرة ، السؤال فيه تسطيح للوضع و اختزال لمشكلة الانتخابات في شخص جمال مبارك و لا ينبغي الرد عليه بهذا الأسلوب.
ثالثا : الإجابة الشرطية التي تشترط شروطا مستحيلة إجابة من وجهة نظري تحتمل الكثير من المراوغة و عدم الصراحة ، يعني مثلا لو سألتك : هل تقبل أن تبايع جورج بوش خليفة للمسلمين ؟ تقول نعم : إذا أسلم و حسن إسلامه و أقام الخلافة و حارب أعداء المسلمين !!!! انت تتكلم عن شخص غير الشخص أساسا كما يتكلم الدكتور بديع عن واقع غير الواقع ، فالإجابة فاسدة و لا تحتمل معناها المباشر أبدا. و هذا يفتح الباب أمام التأويلات و تبرئة الدكتور بديع من الخطأ لو سألت أحد الإخوان الذين يستميتون في الدفاع عن الصواب و الخطأ لمجرد أنه على لسان قائد في الجماعة ، نعم الإجابة صحيحة لكنها فاسدة – الكلام غير واقعي و يتكلم في دنيا الأحلام... لذلك فالواجب رفض ترشح جمال مبارك.
رابعا: لم يقل لنا الدكتور بديع رأيه في شخص جمال مبارك ، و ما هي مؤهلاته التي تفوق بها على 80 مليون شخص حتى يقود هذه البلد ... لم يكن رأي د. بديع واضحا في هذا الشأن لأن الإجابة يراد لها أن تسير في اتجاه معين ، صحيحة لكنها فاسدة و منقوصة.
خامسا: من حوار المرشد أحسست أنه لا تزال لدينا مشكلة إعلامية في طريقة تعاطينا مع عقول المشاهدين و المستمعين بل و أعضاء الجماعة ، فالكلمات العامة المطاطة لا تزال تستخدم كثيرا ، و الخطاب الذي يحاول أن يرضي جميع الأطراف (وهو من المستحيلات) لايزال قائما ، و إسباغ الهالات المقدسة على الجماعة و دعوتها لا يزال متبنى.
خلاصة رأيي المتواضع أنني أشعر بقلق شديد على أكبر قوة معارضة في مصر لو استمر تبني هذا الخطاب ، فالتمييع و اللهجة التصالحية لا ينبغي إلقاؤها على عواهنها ، و خصوصا في هذه المرحلة المفصلية في تاريخ مصر .. و رغم يقيني بعدم وجود صفقة وراء هذه الكلمات (وهي مصيبة أخرى لأنك تعطي بالمجان) فإنني لا أستطيع إلا أن ألتمس العذر لمن يسوق بوجود صفقات بين الإخوان و النظام على حساب مصلحة البلد في بعض الأحيان – بالرغم من تأكدي –إلى الآن – من عدم حدوث هذا الأمر.
فضيلة المرشد : أحبك و أحترمك ، و لكني لا أوافق على ما قلت بخصوص جمال مبارك أيا كانت المبررات .. و الله على ما أقول شهيد...
و لو عايزين كلام من الآخر .. اقرأوا رأي مصطفى الفقي في كلام المرشد ...