12‏/08‏/2008

هيا بنا ... نتحدى الملل!






عندما تشاهد شابا يقود سيارته بسرعة جنونية و بصوت يصم الآذان، أو يحلق شعره في شهر ، و يقوم بإطالته شهرا آخر، عندما تشاهد فتاة ترتدي كل يوم ثوبا جديدا أو مختلفا، عندما تشاهد رجلا وقورا قارب الخمسينات ، أو تجاوزها ، يقوم بتصفية تجارته فجأة و يغير حياته كليا. عندما ترى كهلا يجري وراء فتاة من عمر ابنته ليتزوجها ، عندما ترى الناس تتشاجر بصوت مرتفع ، و يعلو صوتها في الشجار ، بل و تشتبك بالأيدي، عندما تروج أخبار الفضائح و الغرائب ، و يلهث وراءها الناس أكثر من العلم و المعرفة، عندما لا تجد خبرا يتصدر نشرات الأخبار لأكثر من يوم مهما كانت أهميته ، عندما ترى كل هذا يجب أن توقن أن الملل قد أصاب العالم.
الملل... هو السكون ، أو عدم توقع إلا السكون ، الملل هو الفراغ ، أو هو الروتين الخالي من كل حدث استثنائي، الملل ، دفع الناس في أوروبا أن ينتحروا ، و الشباب أن ينحلوا و يدمنوا المخدرات ، الملل هو قاتل الإبداع ، و مدمر الابتكار ، و مثبط الهمم و العزائم. الملل هو كالنمل الذي يسري في الروح ، فينخر فيها حتى تصير خواء و تموت. و لذلك فإن من نعيم أهل الجنة أنهم لا يشعرون بالملل ، و هي نعمة عظيمة ، لأنها لو لم تكن موجودة لمل أهل الجنة من الجنة!
الملل قد يصيب كل الناس : الغني يمل من الغنى و سهولة العيش ، و الفقير يمل من الفقر و ضنك الحال ، المتزوج صاحب الأولاد ربنا أعلم به و المعنى في بطن الشاعر!، و العازب يعاني ملل و قسوة الوحدة – التي هي أشد برودا من الثلج. الملل يصيب العامل ، و صاحب العمل ، و من لايعمل، الملل يصيب العابد الزاهد في محرابه ، و الماجن في مجونه ، و الملل من وجهة نظري هو من أعدى أعداء الإنسان. الملل هو ان تنام و تصحو في نفس الحال (ليست الظاهرة فحسب ، و إنما المعنوية و هي الأخطر). الملل هو أن تتشابه جميع أيامك ، بل و جميع سنواتك.الملل : هو أن تمرض مرضا لا أمل لك في شفائه ، و لا طاقة لك على التعايش معه، و الملل أيضا أن تعيش سنينا دون ألم أو وجع – حياة رغدة سهلة ، كتلك الحياة التي جعلت كثير من الناس ينتحرون في أوروبا و الدول الاسكندنافية تحديدا. الملل هو أن تعيش في القطب الشمالي أو قريبا منه حيث الجو بارد بلا شمس كل أيام السنة تقريبا ، مما يصيب الناس هناك بالجنون. و الملل هو أن تعيش على خط الاستواء حيث الأمطار المنهمرة لا تنقطع.
هل مللت من وصف الملل؟ لك كل الحق ، فالكلام عن الملل ممل بحد ذاته ، و لكنه مهم ، من منا لم يحس بالملل ، و يحتاج إلى التغيير و الترفيه و تغيير نمط الحياة الرتيب و الروتيني؟أفهم أن قليل من الروتين مطلوب أحيانا للنجاح في العمل (مثل الانتظام في المواعيد و المواظبة على الأعمال المهمة في أوقاتها) و لكن كثير من الروتين ممل ، و قاتل و قبيح. لو تصفحت سير الناس الذين غيروا التاريخ فلن تجد منهم أحد إلا كان ملولا، لا يصبر على حال واحد ، و لا يقنع بما وصل إليه فالطموح و الملل لا يجتمعان أبدا ، يجب أن يطرد أحدهما الآخر. و كان سيدنا عمر بن عبد العزيز يقول : " إن لي نفسا تواقة ، ما وصلت لشيء إلا واشتهت ما هو أعلى منه" فلما وصل إلى الخلافة ، و هي أعلى مراتب الدنيا ، تاقت نفسه للجنة ، فانخلع من الدنيا ، و أصبح خامس الخلفاء الراشدين الذي لا يذكر اسمه إلا وذكر معه العدل و الرشاد.
و الحضارة الحديثة تعيش في ملل كبير ، و تحاربه بكل ما أوتيت من قوة و تقدم دون جدوى ، لأنه أقوى منها و هي من صنعته، المعرفة الزائدة الموجودة في هذه الحضارة توجد الملل ، و كذلك السهولة و الاتصال السهل البسيط بالناس. لو تأملنا الفرق بين حب قيس و ليلى و حب هذه الأيام ، تجد أن حب قيس و ليلى كان أكثر رومانسية ، و صعوبة ، و هو ما أبعده عن الملل ، فكان قيس يجد المشاق حتى يقابل محبوبته ، و ليلى كذلك، و يمر قيس على الديار يقبل الجدران ، و يتخيل محبوبته ، و يذوب شوقا إلى لقائها ، أما قيس اليوم فلا يقبل الجدران ، و لماذا يقبل الجدران ، و الموبايل موجود و مكالمات ال " فيديو كول " تنقل له ما داخل الجدران ، ناهيك عن الانترت و الويب كام و غيرها ، مما جعل الفراق غير موجود أساسا ، و المحبوب أمامك 24 ساعة ، و بعد قليل يصاب قيس بالملل و لا يرد على ال " ميسد كول " من ليلى و " ينفض " بلغة شباب هذه الأيام.
إذا مللت مثل كثيرين و أحسست برتابة الحياة، أحسست أن كل يوم مثل ما قبله ، و انك عايش و مش عايش ، و أن عمرك يضيع هدرا أو مللا : إليك بعض النصائح من مجرب:
1. حارب الملل من داخلك أولا: بمعنى أن الملل الحقيقي يأتي من داخل الإنسان قبل أن يأتي من الظاهر ، قد يكون حولك ألف ألف وسيلة لطرد الملل و لا تشعر بها لأنك أساسا ممل ، فلابد أن تنزع الملل من داخلك و ترى في كل يوم شيء جديد فيما تفعله في نفس اليوم ، عندها تكون قد قطعت شوطا كبيرا ضد الملل ، كمثال: عندما تقرأ القرآن حاول أن تقرأ القرآن كأنه أنزل عليك ، و استشعر في القراءة معان جديدة و كأنك تقرأ القرآن لأول مرة.
2. كن صاحب هدف: الذي ليس له هدف في الحياة لابد أن يعاني الملل ، و الذي له هدف لن يعاني الملل أبدا لأنه في كل يوم سيقترب من تحقيق هدفه فيزيد من إصراره و يشحن من معنوياته. و لو كان هدفك بعيد المنال ، يجب أن تخلق أهدافا قصيرة حتى تشعر بالإنجاز ، كمثال: في قيادتي للسيارة و حتى أصل بسرعة أضع هدفي في أن أسبق سيارة بعينها ، و ما إن أسبقها حتى يتحول هدفي إلى سيارة أخرى ، و هكذا.
3. كن صاحب همة: الملل لا يتسرب إلا إلى أصحاب الهمم المنخفضة و التي تستسلم نفوسهم لإغراء الحالة الساكنة و هي أحب للنفس من الحركة مع المتاعب.
4. غير من روتينك اليومي: حاول أن تغير من الروتين اليومي لك و لو حتى في التفاصيل الدقيقة. أي تغيير في الروتين اليومي يفيد: جرب أن تغير طريقة اللبس ، طريقة تأديتك لعملك ، حتى طريقة كلامك و تسريحة شعرك ، فهذا يفيد فعلا!بجانب ذلك يجب أن تكون لك هواية و صداقات من خارج المحيط التقليدي ( الأسرة – أو العمل ) حيث أن ذلك يضفي حيوية على اليوم و يغير من أسلوب الحياة.
5. لا تخف من ارتكاب الأخطاء: خاطر و خض غمار الأهوال و لا تخف من ارتكاب أي خطأ حتى لو كان كبيرا (مع الوضع في الاعتبار أن تكون المخاطرة محسوبة)، إن ركوب الأهوال و تحدي الصعاب على قسوته و ضريبته الباهظة لهو من لذائذ الحياة ، بل هو من أهم معاني الحياة!
6. اندهش ! : هل تعلم لم لا يصاب الأطفال بالملل غالبا؟ لأنهم لا زالوا في طور تلقي المعلومة و لذلك يندهشون من الكثير من الظواهر التي نراها عادية في حياتنا ، المطلوب منك أن تبحث عن الجديد في هذه الحياة ، و أن تندهش له ، و أن تتفكر في كل ما يحيط بك و أن تنظر للأشياء بشكل مختلف ، حينها ستندهش ، و سيزول الملل ، و سيصبح المنظر الرتيب اليومي ، متجدد و مثير للاندهاش.
7. عش بكل مشاعرك: عندما تكون هناك مناسبة مفرحة : تعلم كيف تحتفل و تفرح و تفرح من حولك ، عندما تشعر برغبة البكاء : ابك و لا تخجل ، عندما تريد أن تصرخ اعتراضا على الظلم أو إحقاقا للحق: اصرخ بكل صوتك ، و سترى النتيجة!
8. سافر: السفر اكتشاف و تغيير للأماكن و المناظر ، و فيه خمس فوائد أو سبع !
9. خذ أجازة: و لتكن من الحين إلى الآخر مع التجديد في مكان و أسلوب الأجازة (لا تأخذ أجازتك في نفس المكان الذي تعودت أن تأخذ أجازتك فيه كل عام ، فهذا هو الملل بعينه!) ، و لا يشترط أن تكون مريحة ، المهم أن تكون تغييرا.
10. لا تصاحب المملين: الملل مرض شديد العدوى فلا تصادق المملين حتى لا تصبح مملا مثلهم.
11. كل ما سبق لم ينفع : غير حياتك !
هذه بعض النصائح البسيطة من شخص حارب الملل ، و لا يزال ، جربوها و ادعوا لي ، و تعالوا جميعا نتحدى الملل!

هناك 5 تعليقات:

ست البنات يقول...

جميلة جدا حكاية :اندهش دي هههههه
المعنى المقابل له هو التفكر في كل حاجة وفي كل موقف وفي كل وقت...وفي كل شخص ..طباعه ونظرته للحياة وكده
وطبعا التفكر في خلق الله

مقالة رائعة يا حمادة
بوركت وتعال اتغدى عندنا يوم السبت علشان تتحدى الملل :) -بجد بعزمك مش بهزار-

Ahmed Ossama يقول...

شكرا يا جميلة و عزومة مقبولة إن شاء الله ، بس انتي عاملة ايه على الغدا علشان تشجعيني يعني !

غير معرف يقول...

مقال جميل .. سؤال .. ماذا تقصد برقم 11 "غير حياتك" ؟!!

Ahmed Ossama يقول...

هلا يا عمو فؤاد واحشني،
و بالنسبة لسؤالك : أقصد اللي ما ينفعش معاه ال 10 نصائح اللي قبل 11 يبقى فيه حاجة مش مظبوطة في أساسيات حياته: شغله - بيته - كده يعني و لازم يغيره

البراء أحمد يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.