08‏/09‏/2007

صاحب الملوحة أكل البرص !


" الزبون دائما على حق " هي العبارة التي أتذكرها جيدا حينما زرت صيدناوي لأول مرة من حوالي 20 سنة ، كنت صغير جدا و كانت معي أحدى قريباتنا و لما قلت لها يعني ايه الكلمة دي ، بصت لي بصة غريبة و ما ردتش (تقريبا لأنها ماكانتش فاهمة) بس الذي أعتقد ان اللي أنا فهمته من الكلمة ان الزبون هو الملك في هذا المتجر ، و هو الآمر الناهي و كلامه مطاع و كنت سعيد جدا بالمتجر المتحضر اللي بيشيل الزبون على رأسه، المهم لما كبرت فهمت ان الكلمة دي في كل مكان في العالم معناها فعلا كده إلا في مصر ، في مصر الزبون دايما ابن ( ....) و لازم نطلع تلاتينه و تلاتين أهله و ناخد فلوسه و نضحك عليه لو قدرنا.
ما هو السبب وراء حرقة الدم الغير طبيعية اللي عندي؟ و ايه اللي فكرني ، ما هو الحال دائما هكذا في مصر؟ اللي فكرني ان أنا كنت باتفرج أمس ( 7- 9-2007) على التلفاز و كان هناك قصة لامرأة في أمريكا أطرافها العليا صغيرة جدا و ضعيفة بحيث أنها تعمل كل شيء تقريبا بقدميها بشكل مذهل – وده مش موضوعنا – الموضوع ان هذه السيدة رفعت دعوى قضائية على ماكدونالدز لأن البنت بتاعة خدمة السيارات رفضت تسليمها الوجبة التي طلبتها لأنها مدت قدمها لاستلامها كما تفعل كل يوم . و المذهل ( على حد تعبيرها !) أن هذا الأمر تكرر مرة أخرى في فرع آخر من ماكدونالدز و هو مادفعها لرفع دعوة قضائية قد تكسب من ورائها الملايين لأنه تمت إهانتها امام أطفالها و هو ما تسبب بإيلام نفسي شديد لها.
انتهت القصة و هذه ملحوظاتي عليها: أولاً: من الواضح أن هذه الحادثة هي الأولى للسيدة بالرغم من إعاقتها فهي تعامل بشكل طبيعي و متعاطف من المجتمع و الذي حدث هذا هو الاستثناء و بالرغم من ذلك أقامت الدنيا و لم تقعدها و طالبت بحقها كمستهلكة – ثانيا : اهتمام الاعلام الواضح بالمسألة و ذكر المطعم بالاسم و لا همهم سمعة المطعم ، و لا أنه واجهة أمريكا لدى العالم و لا أنه أكثر كمية فروع ممكن تلاقيها لأي مطعم في أمريكا ، كل ده ما همهمش ، اللي همهم كيف يتم التعامل مع مستهلك بهذه الطريقة حتى لو كان معاقا و مد قدمه لالتقاط الوجبة !
تحب أقول لك أكتر ، أقول لك ، هل تعرف لماذا على كل الكارتون الذي يحمل أكواب الديلفري في ماكدونالدز تكتب عبارة ( احترس محتوى ساخن !) بالانجليزية ؟؟؟ لأن ماكدونالدز من عدة سنوات اضطر لدفع ملايين الدولارات (أيوة ملايين!!) لأن سيدة رفعت قضية على ماكدونالدز لأن القهوة التي طلبتها بالسيارة دلقت على حجرها و أثبت المحامي الشطور ان التحذير لم يكن واضحا كفاية للعميل حتى يأخذ حذره ، تقوللي ما هي اللي طلبت القهوة و لازم تاخد بالها ، أقول لك " الزبون دائما على حق" وهذا ما يعترفون به في الدول المتقدمة.
كمان حكاية ؟ .. يحكى أنه في يوم من الأيام و في إحدى بقاع الأرض في دولة أوروبية دخل عميل إلى متجر كبير في أحد المدن الكبيرة و في يده إطارين لسيارته و أخذ يكلم البائع و هو منفعل، و أخذ يشرح له كيف أنه اشترى الإطارين و وجدهما غير صالحين لسيارته، و كيف أن هذه الخدمة لاتصلح ، و .. و... ، و انتظر البائع بابتسامة عريضة حتى أفرغ الرجل ما بجعبته ، ثم بصوت هاديء وواثق قال له :" ليس هناك مشكلة يا سيدي، سوف نرجع الإطارين ، كم دفعت فيهما؟؟" أجاب الرجل " 150 دولار" فقام البائع باستلام الإطارين و حرر للمشتري الغاضب إيصالا بالمبلغ لاستلامه من الخزينة و لكنه أضاف بابتسامة عريضة: " و لمعلوماتك يا سيدي ، نحن لا نبيع الإطارات في متجرنا !!! " نظر إليه المشتري المذهول و قد اكتشف أنه دخل المتجر المجاور بطريق الخطأ و سأله " كيف ترد لي قيمة شيء لم تبعه لي أصلا؟!" أجاب البائع في بساطة : "لأنني تعلمت من رؤسائي أن الزبون دائما على حق ، و طالما دخلت متجرنا فمن واجبي أن أجعلك راضيا !!!" انتهت القصة الحقيقية – و اللافت للذكر ان البائع نال مكافأة على تصرفه ! – بدون تعليق
طيب لو احنا قارننا بين اللي بيحصل عندنا و اللي بيحصل في الدول المتقدمة حنعرف احنا ليه متخلفين، أنا عندي و انتم عندكم حواديت كثيرة جدا على اللي بيحصل في المستهلكين في مصر. و طبعا من الواضح ان الفكرة نفسها مش موجودة في ثقافة البائعين في السوق ، الأساس هو ان أنا أبيع و بعد كده ربنا يحلها مع الزبون اللي أنا ضحكت عليه ، زي ما واحد من مندوبي المبيعات في شركتي جاء فرحان جدا أنه (دبس) التاجر الفلاني في بيعة كبيرة . أصبح البيع بالنسبة لنا ازاي تضحك على الزبون و تاخد منه أكتر فايدة ممكنة.
مثال صغير حدث لي مع (دار القمر) و هو سلسلة مشهورة للأكل اللبناني ( يعني مش تحت السلم) المهم اتصلت بيهم طلبت ديلفري، و لما اتأخر ساعة و نصف اتصلت بهم مرة أخرى ، "حالا يا فندم في السكة اهه" و لم يصل الرجل إلا بعد نصف ساعة أخرى، ورفضت استلام الطلب طبعا ، و لما اتصلت بهم معاتبا ، بل منفجرا فيهم كان الرد: " يا أستاذ من فضلك هدي نفسك شوية ، الكمبيوتر كان ساقط و مارجعش إلا من ربع ساعة" بدون إبلاغ أي من الناس التي طلبت – عادي جدا.... أقول كمان ؟ لو استمريت أحكي مش حنخلص في ليلتنا.
اللي عايز أقوله ان احنا ما عندناش ثقافة ان المستهلك ليه حقوق ، و أهم من كده مفيش ثقافة المطالبة بالحقوق دي ، بل أصبح الغش و الضحك على المستهلك جزء من تراثنا الأصيل و ثقافتنا العريقة.
حاحكي لكم حكاية مثل قديم عندنا كان فيه مرة واحد بياع بيبيع ملوحة " أيوة الملوحة ... الملوحة الطازة .. ياللا الملوحة .. و فجأة راحت واحدة ست بتبص على الملوحة ضربت على صدرها بقوة و قالت " يالهوي .. دي الملوحة فيها برص !!!" التفت كل الناس لينظروا إلى الملوحة و إلى صاحب الملوحة الذي انتفض واقفا و صاح بأعلى صوته " برص ايه ياولية دي ملوحة زي الفل !! طيب حتى شوفي .." و أتبع كلامه بأن شفط البرص على مرة واحدة حتى يثبت لها أنها ملوحة زي الفل ، و ابتلع البائع البرص عادي جدا و هو ينظر للسيدة باشمئزاز ثم أدار وجهه عنها و أكمل ندائة " أيوة الملوحة .. الملوحة الطازة .. ملوحة زي الفل" و من هنا صارت مثلا من الأمثال الشعبية" صاحب الملوحة أكل البرص " حتى تبرهن على ثقافة الخداع و غش الزبائن ، و سلم لي على بلد الحضارات!.


هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

وجه نظر ذهبية

البراء أحمد يقول...

بورك فيك ورأيك هذا هو عين الصواب