13‏/09‏/2007

عندما يصبح التقاضي ... جرجرة

أكاد أجزم أن البطء الشديد الذي يتميز به النظام القضائي المصري هو سبب انتشار المشاكل المالية و ازدهار عهد السارقين و النصابين بشكل لم يحدث من قبل في تاريخ هذا البلد...!
الذي يعمل في السوق مدرك تماما لما أقوله ، و كيف أن جزء لابأس به من المديونيات التي توجد لدى العملاء و التجار يتم تحصيلها عن طريق التقاضي البطيء جداً ، ناهيك عن الديون المعدومة التي تتزايد كل عام و تصبح حقيقة لابد منها لتشطب من أرباح كل عام ، لو هناك أرباح.
طبعا هذا الأمر أوجد سوقا كبيرة جدا للمحامين لكلا الطرفين لأن كمية قضايا الشيكات المرفوضة و إيصالات الأمانة و غيرها و غيرها أصبح كبيرا جدا فهناك المحامي الذي يجرجر الضحية في مهاترات و جلسات لا نهاية لها (لأن هذا هو النظام). و هناك المحامي النصاب الذي يتحالف مع الجاني حتي يدوخ صاحب المال و يكسب لموكله أقصى قدر ممكن للتمتع بالمال الذي استولى عليه حتى يحين موعد السداد ، و أصبح اللجوء للقضاء الذي هو مظنة الحقوق لدى الناس شر و تهديد من الظالم للمظلوم بأنه لو لم يصبر عليه ، عليه أن يتحمل (جرجرة) المحاكم .
أما لماذا وصلت الأمور إلى هذا الحد ، و لماذا تزايدت قضايا النصب و الشيكات المرفوضة ، فلذلك عدة أسباب:
أولا: الانحدار العام في المثل و الأخلاق و خصوصا في الجانب المادي نتيجة للظروف الاقتصادية الخانقة و تقديم الأمثلة الفاسدة على أنها شيء طبيعي ، و ما هي المشكلة أن يسرق الفرد لو عنده ظروف او كذا أو كذا ، فأصبح هناك جرأة في مد اليد على الحرام بصوره لم تكن موجودة سابقا.
ثانيا: المثال السيء على أعلى المستويات الاقتصادية و السياسية في البلد: و إذا صلح الراعي صلحت الرعية.
ثالثا: و هو الأهم البطء الشديد في إجراءات التقاضي و صدور الأحكام على المدينين وهو الأمر الذي يشجع على أكل أموال الناس بالباطل و عدم دفعها لحين وصولها لمرحلة متقدمة من التقاضي فيتم التصالح و دفع المبلغ المالي بعد فترة قد تصل إلى سنوات طويلة و بذلك تكون المبالغ المالية فقدت قيمتها و يكون النصاب أو التاجر غير المحترم استفاد بحيازته لهذا المبلغ فترات طويلة و استثماره بدون وجه حق.
الكلام شكله ممل ؟ نعم ، و الموضوع ممل فعلا ، لأن الموضع أصبح جزء من الروتين اليومي لأي أحد شغال في السوق.. و حكاياتي في هذا الأمر تصلح لتأليف الكتب ، لا لكتابة المقالات من كثرتها و تنوعا ، و ما زال العرض مستمرا حتى الآن. ووصل الأمر إلى أن استغرقت احدى القضايا عشرة سنوات مع أحد التجار حتى نستطيع استرجاع أموالنا منه (حدث بالفعل). و أصبح الناس لا يستحون أن يأكلوا و يشربوا و يصرفوا ببذخ و يمارسوا حياتهم الطبيعية و فوق الطبيعية بمراحل و عليهم دين لا يسددوه و لن يسددوه إلا بعد أن تصل القضية إلى مجراها النهائي بعد سنوات ، و موت يا حمار!
عايز أقول ان الظلم و النصب و السرقة انتشرت علشان القضاء مش سريع بما فيه الكفاية لمنع هذه التجاوزات ، و ممكن بعض الناس تقول ان عدد المحاكم و القضاة محدود ، نعم محدود و لذلك ينبغي زيادة أعداد القضاة حتى تواجه هذه الزيادة في القضايا المالية ، و كذلك زيادة طاقة الأجهزة الفنية المساعدة للمحكمة و التي قد تكون سببا في تعطيل القضايا مثل الخبراء الماليين ، و خبراء التزييف و التزوير ، ينبغي أن تزيد طاقة و استيعاب المحاكم مع وضع معايير لزمن التقاضي في كل جنحة حتى لا تسقط الحقوق بالتقادم! – التاجر لن يتأخر لو عرف أنه في ظرف أسبوعين أو شهر على الأكثر سيحكم عليه بالسجن لو لم يسدد – النصاب سيفكر ألف مرة لو علم أن عقوبته جاهزة ، و سريعة!
الأمر الثاني الذي ينقصنا هو تغليظ العقوبة في مسائل الأمور المالية حتى تكون رادعا كافيا لمن تسول له نفسه النصب و سرقة أموال الناس ، فهل السجن 6 شهور أو حتى سنة مثل قطع اليد بالنسبة للسارق؟ لو تم تطبيق حد السرقة مع سرعة في التقاضي أؤكد أن قضايا النصب و السرقة و التبديد ستقل جدا إن لم تختفي.
الأمر الثالث هو الاستعانة بالتكنولوجيا و عمل سجل إجرامي للمطبق عليهم عقوبات في القضايا المالية أو حتى من سبق أن رفع عليهم قضايا و تغليظ العقوبة في حال التكرار لتنظيف البلد من محترفي النصب و السرقة و أكل حقوق الناس
.
آخر الكلام : تأملوا معي بطء القضاء في حقوق الناس ، و سرعته و جاهزيته (و عسكرته!) في القضايا السياسية التي يحاكم فيها خيرة رجال هذا البلد لأنهم اختاروا أن يقفوا في مربع الممانعة !
و لك الله يا حقوق الناس في مصر.

ليست هناك تعليقات: