قد يبدو هذا المثل غريبا جدا في ثقافتنا ، و لكنه جزء لا يتجزأ من ثقافة مجتمعات أخرى نجحت و صنعت الحضارة المادية الحديثة التي نراها الآن. و البديهي أن هذا مبدأ المحاولة و تقبل الفشل هو مبدأ عربي و إسلامي أصيل ، ففي إحدى الروايات أن المسلمين حاولوا على مدى تاريخهم 16 مرة لفتح القسطنطينية و فشلوا في جميع المحاولات حتى فتحها محمد الفاتح ، و يقال أن من أسباب فتح الأندلس هو رغبة المسلمين في فتح القسطنطينية عن طريق الغرب بعدما استعصت عليهم من طريق الشرق !!! يعني نفتح أسبانيا و فرنسا و ألمانيا و إيطاليا و اليونان و الصرب علشان نصل إلى تركيا ثم القسطنطينية !!! هل يتذكر أحدكم عباس ابن فرناس الذي كاد يدفع حياته ثمنا لمحاولة فاشلة في الطيران و خلدته كل كتب التاريخ التي تتحدث عن تاريخ الطيران.
لماذا لا نحاول ؟؟ و لماذا لا نجرب ؟؟ و لماذا تستسلم لعملك الروتيني و أنت تعتقد أنك يمكن أن تكون أفضل من ذلك ؟؟ و لماذا لا تأخذ مخاطرة لتحقيق حلم من أحلام حياتك ؟؟؟ و لماذا تستسلم لواقع بلدك المرير ولا تطبق فكرة للتغيير حتى لو ظننت أنها ممكنة؟ عارف ليه ؟؟؟؟ لأننا جميعا نخاف من كلمة الفشل ، و نخاف من المخاطرة ، و نخاف من أن يرانا الناس فاشلون ، نحن تربينا على ثقافة (حديثة) تعتبر الفشل عيباً ، و لا تتوقع النجاح من فاشل ، و هذا من أخطر مشاكل العقل العربي بصفة عامة الذي لا يحب المغامرة و لا المخاطرة خوفا من الفشل.
عندنا في العالم العربي نأخذ أطول فترة طفولة ممكنة ( علشان الواد لسه عضمه طري و مايتبهدلش) و يفضل الولد كده حتى يتزوج ، وحتى بعد ما يتزوج يظل الدعم اللوجستي من الأم و الحماة قائما، و يظل الإبن صعب جدا يأخذ قرار مصيري في حياته دون أن يؤمن موافقة و دعم الأهل ، و لو عمل غير كده يبقى ولد فالت و بيتصرف من دماغه ، و مالوش كبير.
الفشل عندنا هو بعبع ، مع أنني أرى أن الفشل صحي جدا لأي شخص ، لقد تعلمت من فشلي في بعض المشاريع في العمل أكثر بكثير من تعلمي من النجاح ، نعم الفشل مر ، و مكلف ، و ضريبته كبيرة ، و لذلك هو مفيد و من يتعلم من فشله لا يمكن أن يكرر خطؤه ، شوف القول المأثور الذي يقول ( لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) يعني المؤمن ممكن يُلدغ ؟؟ أيوة ممكن ، و كذا مرة كمان ، و لكن ليس من نفس الجحر.
في سجالاتي و نقاشاتي المستمرة مع الوالد الكريم كانت هذه من أهم النقاط الأساسية في خلافنا: كان يقول لي بالنص: " أنا أعطيك خبرة سنين جاهزة بين ايديك و أنت لا تستفيد بها و تجرب المتجرب كذا مرة لماذا لا تأخذ هذه الخبرة و تطبقها و تضيف إلى عمرك سنوات ؟" و كان من رأيي أن الإنسان يجب أن يجرب حتى يكون تجربته الخاصة حتى و لو فشل في البداية ، و في الغالب يتضح لي أن نصائح الوالد في العمل صحيحة بنسبة 90% و لكن تعلمي من أخطائي يبقى أعمق أثرا و أثبت ، و أكثر تكلفة أيضاً
حتى أن الفشل ليس عيبا حتى في علاقتك الخاصة مع الله عز وجل ، تأمل الحديث الشريف : " لو لم تذنبوا فتستغفروا لذهب الله بكم و أتى بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم".
هل تعرف ما هو الفرق بين الأهلي و الزمالك ، الأهلي فريق يلعب ليفوز ، و الزمالك يلعب وهو خائف من أن يخسر ، و لذلك حصد الأهلي البطولات و اتوكس الزمالك الوكسة اللي احنا شايفينها.
و الفشل ليس معناه الإخفاق فقط ، و لكن معناه درس في الطرق غير السليمة لإنجاز الأمر :قديما قال توماس أديسون، المخترع الأمريكي العظيم: " أنا لم أفشل في مائة تجربة ، بل اكتشفت مائة طريقة لا تعمل"...و هناك طريقة معتمدة مشهورة جدا في البحث العلمي اسمها طريقة التجربة و الخطأ
Trial and error
و هذه ليست دعوة لأن تفشل ، هذه دعوة لأن تجرب دون الخوف من الفشل و ألا تجعل هذا الخوف يقيدك عن تحقيق أحلامك و طموحاتك
الخلاصة يا معلم .. لا تستسلم لخوفك من الفشل ، اغلط و لا يهمك ، خد نفس عميق ، و خذ بالأسباب قدر الإمكان ، و توكل على الله تعالى ، و جرب ، و حاول حتى لو فشلت مائة مرة ، المهم أن تعرف إلى أين أنت ذاهب و لا تستسلم حتى تصل إلى وجهتك
و قديما قال الشاعر
و من يتهيب صعود الجبال .. يعش أبد الدهر بين الحُفر